مقالة في مجلة الفيصل عن متاب أصدره الباحث السعودي الدكتور لطف الله قاري

نصوص نادرة من التراث العلمي

من الأسماء العربية اللامعة التي أسهمت إسهاماً متميّزاً في التعريف بالعلوم عند العرب والمسلمين الدكتور المهندس السعودي لطف الله قاري؛ فلم يكتفِ هذا المؤرّخ بتعريفنا بما جادت به أقلام الأجداد فـي الحقل العلمي، بل راح يحقّق نوعاً خاصاً من المخطوطات يندرج في سياـق اختصـاصه الـذي يحيط بالهندسة البيئية، خصوصاً الكيميــويــات والأطــعــمــة والـتـلـــوث والأوبئــة.

لقد طالعنا لطف الله قاري خلال ثلاثين سنةً من العطاء بالجديد في التراث العلمي العربي الإسلامي دراسةً وتحقيقاً، وتناول أول كتاب وضعه موضوع الورّاقة والوراقين. ومما أصدره خلال السنوات الأخيرة كتاب (الإنجازات العلمية للعرب والمسلمين في القرون المتأخرة)، وكان ذلك قبل نحو سبع سنوات. أما منذ شهور معدودات، فقد أتحفنا بمؤلَّفَيْن، هما: زهرة البساتين في علم المشاتين (206 صفحة)، ونصوص نادرة من التراث العلمي، صدرا عن مكتبة الإمام البخاري بالقاهرة سنة 1433هـ/ 2012م، وسوف نتناول في هذا التقديم الكتاب الأخير.

يقع كتاب (نصوص نادرة من التراث العلمي) في 427 صفحة من الحجم العادي، وهو يقدِّم -كما ينصّ عنوانه- مجموعةً من المخطوطات والنصوص النادرة من تراثنا العلمي المجيد، يبلغ عددها ثلاث عشرة وثيقة. أولى هذه المخطوطات تقع في ستّ ورقات، وعنوانها: (رسالة في زينة الكَتَبة) للطبيب والكيميائي الشهير محمد بن زكريا الرازي (251-313هـ/ 865-925م)، وتُعنى بوصف مواد الكتابة، وإنتاج الكتاب المخطوط. وهكذا، أوضحت المخطوطة كيفية صناعة الحبر العادي والسرّي، وأشارت إلى حيل الكتابة، واصفةً سبل إزالة الحبر من الورق والبردي والجلد والثياب. كما تحدثت عن الحبر الذي لا يظهر إلا ليلاً، وعن ذلك الذي يزول تدريجياً.

وما يبيّن أهمية الرسالة أن هناك على الأقل سبعة مؤلفين اعتمدوا عليها في التأليف حول أدوات الكتابة وموادها. ويقول الرازي في الفقرة الأولى من المخطوطة بخصوص ما يحتاج إليه الكَتَبة: إن حاجتهم تتمثّل في «أنواع المداد، ومحو الآثار من القراطيس والدفاتر والكاغد والرقوق والطروس، والحيلة فيها حتى لا تُعلم ومعرفة ما في الكتب، وكيف يُفكّ ويُقرأ فلا يُفطن به، ووضع الأسرار في الكتب حتى لا يُفطن به إلا الخاصة». والمخطوطة موجودة في دار الكتب المصرية برقم 331، مجاميع طلعت، الورقات 79-84. ولم يكتفِ لطف الله قاري بتحقيق المخطوطة، بل عقّب عليها كثيراً في تمهيداته؛ إذ صال وجال في تفاصيل ما كُتب قبل هذه الرسالة في الموضوع. كما أتى على ذكر ما جاء بعدها؛ لذلك بلغ عدد ما كتب المحقّق 27 صفحةً، بينما لا تتجاوز صفحات المخطوطة ستّ ورقات.

أما المخطوطة الثانية الواردة في الكتاب، فهي (مقالة في مزاج دمشق) للأسعد المحلي، تقع في 17 ورقة، وهي ضمن مخطوطة من 130 صفحة موجودة في إسطنبول تحت رقم 3589، بمكتبة نور عثمانية. ولفظ (مزاج) هنا يعني الطبيعة والبيئة. وقد أسهب لطف الله قاري في التعريف بكلّ الوثيقة مع أنه لم يحقّق إلا جزءاً منها (تحقيقه يغطّي الصفحات 34-47)؛ لأن هذا الجزء خاصةً، الذي يعرّفنا بـ(مزاج دمشق)، منفصل عن البقية. وأوضح لطف الله قاري -بحسب المعلومات المتوافرة حول سيرة الأسعد المحلي المصري- أنه زار دمشق سنة 598هـ/ 1201م، لكنّ تاريخي وفاته وولادته ظلاّ مجهولين. وقد اهتم المحقّق بهذه المخطوطة؛ لما فيها من معلومات حول البيئة والتلوث، وهو الموضوع المفضّل لدى المحقّق. يقول المحلي في مطلع مخطوطه: «إني لما دخلت إلى مدينة دمشق... سُئلت عن مسائل في مزاج دمشق، ووضعها، وتفاوتها عن مصر، وأيّهما أصحّ وأعدل، وعن مسائل أخرى يُنتفع بها». ذلك هو السبب الذي جعل المحلي يضع مقالته التي ضمّنها عرض الأقاليم السبعة، ومزاج دمشق، ومزاج مصر.

كما تناول المحقّق مخطوطةً أخرى بعنوان: (رسالة في تحقيق أمر الوباء والاحتراز منه وإصلاحه إذا وقع) لأبي سهل المسيحي (توفِّي سنة 401هـ/ 1010م)، قسمها أربعة فصول: الفصلان الأولان يتناولان الهواء ومكوّناته وتأثير تلك المكونات في الصحة، والفصل الثالث يتحدث عن الأوبئة وكيف تلحق الضرر بجسم الإنسان، وخصّص أبو سهل الفصل الرابع للوقاية والعلاج من هذه العلل. المخطوطة موجودة في أكثر من مكان، منها نسخة في مكتبة السعيد علي (السليمانية بإسطنبول)، تحمل رقم 2013، وتقع في 22 ورقة. وتعدّ هذه المخطوطة من أهم ما وصل إلى المؤرخين من تراثنا حول وقاية البيئة من التلوث؛ لذا أشاد بها المحقّق أكثر من غيرها، وهو مُصيب في ذلك.

كيمياء وميكانيك

ومن المخطوطات المحقّقة في كتاب (نصوص نادرة من التراث العلمي) نجد (مختصر كتاب كيمياء الأطعمة). والكتاب ألّفه الكندي (185-256هـ/ 805-873م)، أما صاحب المختصر فهو الطبيب ابن جزلة (توفِّي سنة 493هـ/ 1100م)، والمخطوطة موجودة في طهران (مكتبة ملك التجار، رقم 1569)، وفي القاهرة (مكتبة الأزهر، تحت رقم 1238).

وهناك تحقيق لمخطوطة حول (صناعة الخزف اللماع) لأبي القاسم بن أبي طاهر (توفِّي سنة 738هـ/ 1337م)، وهو مؤرّخ من مدينة كاشان الفارسية. والجدير بالملاحظة أن المخطوطة كُتبت بالفارسية، وقام بترجمتها المحقّق إلى العربية، وهو يشير هنا، خصوصاً في التمهيد، إلى سهولة الترجمة عامةً في هذا المجال بين اللغات العربية والفارسية والتركية؛ بسبب تقاربها في المصطلحات، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالتراث. وقد استفاد لطف الله قاري في ترجمته وتحقيقه من ترجمة الوثيقة نفسها إلى لغات أخرى، كالإنجليزية والألمانية؛ لأن الغرب كانوا شديدي الاهتمام بهذا الجانب من تراثنا.

وفي باب الميكانيك، قدّم لطف الله قاري في كتابه مخطوطةً نادرةً حول آلة تمثّل ساعةً مائيةً ألّفها في القدس كاتب مجهول من مواليد القاهرة في شهر رمضان سنة 895هـ/ 1490م. وحاول المحقّق، الذي حصل على نسخة من المخطوطة من المدينة المنورة (مكتبة عارف حكمت)، نُسخت سنة 936هـ/ 1530م، جمع قرائن ترجّح أن يكون هذا الكاتب المجهول هو ابن أبي الفتح (وُلد سنة 850هـ/ 1446م)، أو ابن العقاب عبدالخالق (وُلد سنة 853هـ/ 1449م). ولا ندري لماذا اكتفى المحقّق في هذه المخطوطة بتقديم ملخّص لمحتوياتها بدلاً من تحقيقها كاملةً كما فعل مع المخطوطات الأخرى في هذا الكتاب، خصوصاً أنه أسهب في الحديث عن الميكانيك عند العرب والمسلمين، متأسفاً على نقص الدراسات الموجّهة إلى تحقيق المخطوطات ذات الصلة بالميكانيك في تراثنا العلمي.

ويرجع ذلك نسبياً في واقع الأمر إلى أن كثيراً من المؤرخين العرب لا يلمّ بهذا الجانب العلمي خاصةً؛ لذا يتجنّبون الخوض في تفاصيله. وكان من المفترض أن تهتم الدوائر المعنية بالتراث العلمي في بلاد العرب والمسلمين بإقامة متاحف تصنع فيها الآلات الميكانيكية وفق ما جاء في وصفها ضمن كتب التراث. وهذا النوع من المتاحف موجود في بعض بلاد الغرب، لكنه لا يكاد يُذكر عندنا. ومن فوائد البحث في التراث التقاني الغوص في المصطلح العلمي العربي الأصيل، وتوظيفه في تسميات ما يحيط بنا من آلات وتجهيزات حديثة. والملاحظ هنا أن المترجمين العرب للمؤلفات التقانية لا يلمّون غالباً بالقديم من المصطلح العربي، فيجتهدون من دون علم، ويأتون بمصطلحات أخرى أحياناً لا تؤدي المعنى المنشود.

الأدوية النباتية

وفي باب النبات، اهتم لطف الله قاري بـ(كتاب مراكش) لابن البيطار (تُوفِّي سنة 646هـ/ 1248م) في الأدوية النباتية. والواقع أن هذا الكتاب تُوجد مخطوطته في مكتبة نور عثمانية بإسطنبول (تحت رقم 3589)، وتمّ تأليفه في مراكش سنة 600هـ/ 1204م. والمثير أن الكتاب نُسب إلى النباتي ابن الرومية (561-637هـ/ 1165-1239م)، وكذلك إلى مجهول، وإلى تلميذٍ لعبدالله بن صالح الكتامي (كان حياً سنة 583هـ/ 1187م). والجدير بالذكر أن الكتاب طُبع عام 1988م في ألمانيا. وأكّد لطف الله قاري بما لا يدع مجالاً للشكّ أن المؤلف الحقيقي للكتاب هو ابن البيطار وليس غيره. وفي هذا السياق قدّم حُججاً قويةً أخذت جزءاً مهماً من تقديم الكتاب.

ويعدّ هذا الكتاب ذا أهمية بالغة؛ لأنه يحتوي على ثروة من أسماء النباتات بلغة الأندلس واللهجات البربرية بالمغرب في ذلك العصر؛ فعلى سبيل المثال: يُلاحظ مؤلف الكتاب أن بعض التسميات في مدينة فاس تختلف عن التسميات المتداولة في طنجة. والكتاب لا يكتفي بسرد أسماء النباتات، بل يصفها ويصف بيئتها؛ إذ درس الكاتب النباتات في عدد من المناطق المغربية؛ مثل: فاس، وطنجة، والسواحل البحرية، والأندلس، ومنطقة زيري (شرق الجزائر)، وغيرها من الأمكنة.

ومن الوثائق الأخرى التي قدّمها المؤلف كتاب (زهر البساتين في علم المشاتين)، وهو كتاب تراثي نادر في التقانة لصاحبه محمد بن أبي بكر الزرخوني المصري (توفِّي نحو سنة 808هـ/ 1405م). ولم تبقَ من نسخ هذا الكتاب إلا نسختان؛ إحداهما في جامعة ليدن بهولندا، والأخرى في المكتبة البريطانية بلندن. والتقديم هنا كان مقتضباً؛ لأن لطف الله قاري خصّه بتحقيق كامل في كتاب (206 صفحة)، صدر –كما أسلفنا- عن مكتبة الإمام البخاري بالقاهرة سنة 1433هـ/ 2012م. وكلمة (المشاتين)، التي وردت في العنوان، جمع (مشتان)، وتعني عامةً الأداة التي يستخدمها المنجّم. وبلغة اليوم نقول: يتناول الكتاب ألعاب الخفة التي تُسمَّى أيضاً الألعاب السحرية. ومن يطّلع على تراثنا يدرك أن لهذا الفن أسماء كثيرة أشار إلى بعضها لطف الله قاري، منوّهاً في تحقيقه بالكمّ الكبير من المصطلحات الواردة في (زهر البساتين)؛ إذ يؤكّد أنه لم يعثر على مثله في كتب التراث العلمي.

مدرسة عربية متكاملة في البحر والملاحة

وفي موضوع البحر والملاحة نجد في الكتاب نصّين؛ أولهما بعنوان: (رسائل فقهية حول البحر والملاحة). وهنا يشير لطف الله قاري إلى الخطأ الذي يقع فيه الغربيون حين يقولون: إن العرب والمسلمين لم يعتنوا بالبحر والملاحة. والحقيقة أن الأجداد أسّسوا مدرسةً متكاملةً في هذا العلم، وهو ما تؤكّده كتب التراث، وكذا بعض النزهاء من المستشرقين. وقد عرّف الكاتب في هذا السياق بخمس رسائل، هي:

- رسالة في صناعة السفن لخلف بن أبي فراس، وهو من أهل القيروان بتونس، أُلِّفت نحو سنة 401هـ/ 1010م.

- رسائل للسيوطي (تُوفِّي سنة 911هـ/ 1505م)؛ مثل: رسالة الدرر الثمينة في أحكام البحر والسفينة، ورسالة الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر.

- رسالة ابن نجيم (تُوفِّي سنة 970هـ/ 1563م) في (السفينة إذا غرقت أو انكسرت، هل يضمن أم لا؟).

- رسالة الأزهري بعنوان: (الدورة الثمينة في أحكام الملاح والسفينة). هذه الرسالة لم تُحقَّق بعدُ، وكاتبها من مصر، ولم يعثر لطف الله قاري على سيرة مؤلفها، وإنما استنبط أنه عاش بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. وتتعرّض المخطوطة لما يمكن أن نسمِّيه اليوم بـ(القانون البحري التجاري).

- رسالة عبدالسلام السلاوي (تُوفِّي سنة 1232ه/ 1816م)، وهو من المغرب.

كما أشار المؤلف باقتضاب إلى رسائل أخرى وبحوث منشورة في هذا الموضوع. والجدير بالملاحظة أن جلّ ما ذكره المؤلف ما زال مخطوطاً.

قصص البحار .. واقع وخيال

أما البحث الثاني حول البحر، فجاء بعنوان: (القصص البحرية بين الواقع والخيال)، تناول فيه لطف الله قاري قضية تحقيق الكتب العلمية التي ألّفها العرب والمسلمون، وندد بسلوكَيْن عند بعض الكَتَبة: أولئك الذين يدّعون أن الكتب العربية التراثية تضم كل شيء، وأولئك الذين يحذفون كلّ ما لا يروق لهم في تلك الكتب ويقدمونها مشوّهةً. والملاحظ أن القصص البحرية كثرت في المؤلفات العربية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين، وراجت في تلك الحقبة القصص والأخبار التي يتناقلها البحارة في الموانئ المختلفة. ومن تلك القصص نجد مثلاً كتاب (أخبار الهند والصين) للسيرافي (القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي)، وكتاب (عجائب الهند: برّه وبحره وجزايره) للرامهرمزي (تُوفِّي بعد سنة 340هـ/ 956م)؛ ففيهما كثير من الأساطير في نظر كثير من الباحثين.

وهنا نجد لطف الله قاري يراجع هذه الآراء، ويؤكّد أن تلك الأخبار والقصص جاءت من الواقع، وفيها بعض المبالغات، لكنها عامةً ليست بالقدر الذي نتصوّره؛ فبخصوص كتاب (عجائب الهند: برّه وبحره وجزايره) نجد المحقّق يدافع عن مؤلِّفه الذي لم يكن ينوي وضع كتاب في الخرافات، بل كان يروي قصصاً، ويقول رأيه فيها بصراحة عندما يراها مستحيلةً. وكذلك الشأن أيضاً بالنسبة إلى قصص سندباد. ومن بين ما أفادنا به المحقّق في هذا الموضوع تلك الإضافات والتصحيحات لما جاء في كتاب (حديث السندباد القديم) لحسين فوزي، الصادر عام 1943م. ومن المعلوم أن حسين فوزي قدّم دراسةً نقديةً جادةً في كتابه لما ورد في (عجائب الهند)؛ للتمييز بين ما هو خرافيّ وما هو حقيقة.

الحسبة وحال الأسواق والصناعات

ومن الموضوعات التي ألّف فيها المحقّق لطف الله قاري كتب الحسبة عند العرب والمسلمين؛ فقد أحصى منذ نحو عشرين سنةً كتب الحسبة؛ فعدّد عشرين كتاباً تراثياً من هذا القبيل. وتكمن أهمية مضامين هذه الكتب في كونها توفّر لنا معلومات حول المجتمع التجاري آنذاك، ومجريات الأمور في الأسواق والصناعات، ومن ذلك مئات أسماء الحرف والمهن، ومواصفاتها، وكيفية ضبط المقاييس والموازين، وكذلك التعليمات التي تستهدف محاربة الغش وإلحاق الضرر بالزبون. لكن هناك ثلاثة كتب في هذا الموضوع؛ أحدها للشيرزي (توفِّي نحو سنة 589هـ/ 1193م)، والثاني لابن بسام (عاش قبل سنة 844هـ/ 1440م)، والثالث لابن الأخوة (تُوفِّي سنة 729هـ/ 1329م)، عدّها جلّ من ألَّفوا في الحسبة المرجع الوحيد تقريباً. وهنا طرح المحقّق سؤالاً وجيهاً: مَن مِن هؤلاء الثلاثة أسبق؟. وركّز لطف الله قاري في هذا السؤال، مقدماً المقارنات والأدلة لإثبات أن ابن بسام صاحب كتاب (أنيس الجليس) هو الذي عاش قبل الشيرزي بقرن من الزمن على الأقلّ؛ لذا فهو الأسبق، وثبت لدى المحقّق أن كتابه ألّفه بين سنتي 412 و440هـ؛ لذلك فإذا كان علينا أن نقول: إن الشيرزي أو ابن بسام قد أخذ عن الآخر، فالأصحّ هو أن الشيرزي يكون هو الناقل.

كتب الكيمياء

وفي باب الكيمياء خصّص المؤلف موضوعاً حول الكتب التراثية في الصناعات الكيميائية، وهي تضم كتب صناعة مواد الكتابة، والصيدلة والعقاقير، والعطور، والتصنيع العسكري، والمعادن والجواهر، والسكّة، وألعاب الخفة. والمؤسف كما يشير المحقّق أن هذا الكم الكبير من المؤلفات المتنوعة ما زال جلّه مخطوطاً أو مطبوعاً طباعةً مشوّهةً.

ولم يفُت المحقّق تناول موضوع رحلة ابن فضلان الشهيرة من بغداد إلى بلاد الصقالبة سنة 309هـ/ 921م؛ فهناك عدة روايات حولها وحول ما كُتب عنها في الشرق والغرب أوضحها لطف الله قاري مبيناً المبالغات والأخطاء التي نجدها في بعضها، خصوصاً فيما نقله الغربيون عنها.

وهكذا نرى أن كتاب لطف الله قاري من شأنه أن يمتع القارئ ويزوّده بزاد من الثقافة التاريخية العلمية تمسّ موضوعات شتّى من تاريخنا المجيد؛ فقد نفض عنها المحقّق الغبار بكلّ براعة، وعبّر عن مضمونها بلغة عربية سلسلة. ومع ذلك هناك بعض التحفّظات لا بد من الإشارة إليها؛ فقد لاحظنا في الكتاب عيوباً في كتابة بعض المراجع الأجنبية، خصوصاً الفرنسية منها (مثلاً في ص 106 وغيرها)، كما نجد هفوات مطبعية؛ ككتابة 20011 بدلاً من 2011 (ص11)، وعدم احترام علامات الوقف. وكنا نتمنى أن نجد قائمة المراجع في آخر الكتاب، وليس في نهاية الفصول كما فعل الكاتب. وحتى في هذه الحالة تفاجأنا بعدم وجود قائمة للمراجع في أكثر من فصل. ثم إنه يبدو لنا أحياناً أن المحقّق لم يلزم نفسه بعض التحفّظ في إصدار الأحكام؛ فعلى الرغم مما يقدّمه من حجج دامغة إلا أنه لا ندري في مادة التاريخ لعله يأتي أحد ذات يوم بحجة أقوى تذهب عكس ما ذهب إليه محقّقنا.

نحن على يقين من أن هذا الكتاب سيُثري المكتبة العربية التي تُعنى بقضايا التراث العلمي، وليس لدينا أدنى شكّ في أن عمل لطف الله قاري سيلقى ما يستحقّه من استحسان لدى جملة الباحثين في تاريخ العلوم العربية الإسلامية.

---------------------------------------------

أبوبكر خالد سعد الله

القبة - الجزائر

---------------------------------------------